رأي وتحليل

الهدي النبوي الشريف: رؤية إصلاحية لمشكلات المجتمع

بقلم – الشيخ أيمن حسين محمد _ من علماء الأزهر والأوقاف

جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«مَثَلُ القائم في حدود الله والواقعِ فيها كمَثَل قومٍ استَهَموا على سفينة، فصار بعضُهم أعلاها، وبعضُهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا! فإذا تركوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيدِيهم نجَوا ونجَوا جميعًا»ولو تأملنا هذا النص الشريف لوجدنا فيه عرضًا لعدة مشكلات تواجه أمتنا ومجتمعنا، مع عرض الحلول التي تؤدي إلى السلامة والنجاة.

إن لكل دين خلقا

الجهل بمآلات الأمور

هل أدرك ركاب السفينة أن الخطر والضرر سيلحق بهم حين قالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا؟أين كانت عقولهم وأفهامهم حين اقترحوا خرق السفينة وهم بين أمواج البحر تتقلب بهم يمنة ويسرة!إن أسباب النجاة تكون بين أيدينا (السفينة)، لكننا لضعف عقولنا وقصر إدراكنا نغفل عنها، بل المصيبة الأكبر أن نحول وسيلة النجاة إلى سبب للهلاك. فما الفائدة من سفينة مخرقة؟

معظم النار من مستصغر الشرر

قال ركاب السفينة: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ، وهنا عدة مغالطات قد تبدو في ظاهرها بسيطة ولكن يترتب عليها الكثير والكثير.فالخرق في نصيبهم، فظنوا أن ذلك يبيح لهم مطلق التصرف، وهو ما يعادل مفهوم الحرية “أنا حر” الذي يفهمه الكثير منا على غير حقيقته. ركاب السفينة كانوا أحرارًا، فهل لهم الحق في خرق جزء منها بدعوى حرية التصرف المطلق؟

إذاً الحل: “هو الحرية المقيدة” التي تراعي حقوق الجميع ومصالح الكل دون الإخلال بحق الفرد في التصرف.

أما الحرية المطلقة بلا قيود وضوابط، فهي في الحقيقة انفلات، وضررها أكبر من نفعها القاصر على فرد أو أفراد معدودين.قال أصحاب السفينة: خرقنا في نصيبنا خرقًا ، وكلمة “خرقًا” جاءت نكرة لتفيد التقليل، يعني خرقًا صغيرًا.

ما الضرر من خرق صغير نتحصل منه على الماء؟

البعض يعيش خارج حدود الزمان والمكان، ولا يدرك ما يحيط به ولا ما يترتب على أقواله وأفعاله.

الأخلاق بين الواقع والمأمول

وهكذا بعضنا يأتي بشيء يسير (في نظره) من التقصير في عمله وأداء ما كُلِّف به، أو التهاون في أداء الأمانات ويبرر لنفسه:

– ما الضرر المترتب على تأخري عن عملي؟- ما الضرر من أخذ الرشوة؟

– ما الضرر من التصويت في الانتخابات لفلان (صاحب المال أو النفوذ أو ابن المنطقة…) مقابل مائة جنيه؟

– ما الضرر من تقديم فلان صاحب المؤهلات المتواضعة على فلان صاحب الخبرات العالية؟- ما الضرر من تباسط المعلم مع تلاميذه إلى حد سقوط الاحترام؟

– ما الضرر من تركه الشرح داخل الفصل ليستقطبهم إلى الدروس الخصوصية؟

– ما الضرر أن يقوم الأب بسلوك شائن على مرأى ومسمع من صغاره؟

وهكذا… الأمثلة كثيرة لصور من صور “الخرق” الصغير الذي نظن أنه لن يحقق ضررًا كبيرًا، والحق أن فيه الهلاك والضياع للفرد والمجتمع.

إن نجاة الأمة في رؤيتها الصحيحة لما يعرض لها من مشكلات دون تقزيم لها ودون مبالغات، بل توضع في نصابها وتعطى قدرها حتى تتمكن من حلها.

قال الصديق رضي الله عنه:”والله لو منعوني عقالًا -حبلًا- كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه”فلم ينظر إلى صغر فعلهم (منع حبل من أموال الزكاة)، وإنما نظر إلى الضرر المترتب على السكوت على هذا الفعل الذي سيجر وراءه ما هو أكبر، ويفتح أبواب الانسلاخ من شرائع الدين وأحكامه ولو على المدى البعيد، فكان الحزم في موضعه هو المخرج وهو السبيل إلى النجاة والسلامة.

النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد

أراد أصحاب السفينة ألا يؤذوا من فوقهم (نية صالحة)، ولكن العمل المترتب على هذه النية الصالحة كان عملًا فاسدًا مهلكًا (خرق السفينة). لذا نحتاج أن نتوقف كثيرًا عند مباشرة الأعمال، فالنوايا وحدها لا تكفي، بل النظر في مآلات الأمور وما ينتج عن أقوالنا وأفعالنا، ولنتذكر أننا سنُسأل ونُحاسب. المسؤولية الجماعيةوهذا هو الحل الذي طرحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:”فإذا تركوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيدِيهم نجَوا ونجَوا جميعًا”وقال الله سبحانه وتعالى:”كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون”فأين دور الرقابة المجتمعية؟

أين الأخذ على يد الظالم والمعتدي وردّه عن ظلمه؟

أين تقويم من أخطأ حتى يعود إلى صفوف المجتمع فردًا نافعًا؟

لا يكتفي الفرد بأن يكون صالحًا في نفسه، بل يسعى في إصلاح غيره، فبهذا يسلم المجتمع، وتبحر سفينته في أمان إلى شاطئ السلامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى