رأي وتحليل

أطفالنا والشاشات : حلول للإدمان الرقمي

بقلم _ منال نادى موجه أول تربية اجتماعية

في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة الرقمنة، بات من الطبيعي أن يُولد الطفل في حضن شاشة، ويكبر بين التطبيقات، ويتفاعل مع العالم عبر رموز رقمية. لكن هذا التحول السريع لم يأتِ دون ثمن. فالإدمان الإلكتروني عند الأطفال أصبح ظاهرة تربوية ونفسية مقلقة، تهدد النمو السليم، وتُربك العلاقات الأسرية، وتُضعف المهارات الاجتماعية.

ووفقًا لمنظمة اليونيسف، فإن أكثر من 175,000 طفل يستخدمون الإنترنت للمرة الأولى يوميًا، أي بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية، ما يجعلهم عرضة لمخاطر متعددة، من بينها التنمّر الإلكتروني، المحتوى الضار، والعزلة الاجتماعية.

ما هو الإدمان الإلكتروني؟


هو الاستخدام المفرط أو غير المنضبط للأجهزة الذكية (الهواتف، الأجهزة اللوحية، ألعاب الفيديو)، بطريقة تؤثر سلبًا على حياة الطفل اليومية، سواء من حيث النوم، الدراسة، العلاقات الاجتماعية، أو الصحة النفسية والجسدية.

مؤشرات الإدمان الإلكتروني:

  • نوبات غضب عند منع استخدام الجهاز
  • الانعزال عن الأصدقاء والأسرة
  • اضطرابات النوم والسهر أمام الشاشة
  • تراجع الأداء الدراسي وفقدان التركيز
  • إهمال الأنشطة البدنية والهوايات الأخرى

كيف نعالج الإدمان الإلكتروني؟
المواجهة لا تبدأ بالحظر، بل بالفهم والتوازن. إليك أبرز الخطوات العملية:

  1. تحديد حدود زمنية واضحة
    وضع قواعد دقيقة لاستخدام الأجهزة، مثل تحديد وقت يومي لا يتجاوز ساعتين، ومنع الاستخدام أثناء الوجبات أو قبل النوم.
  2. البحث عن أنشطة بديلة
    تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة، الرسم، القراءة، أو اللعب في الهواء الطلق. البدائل الجذابة تُقلل من التعلق بالشاشة وتُعيد الحيوية للطفولة.
  3. تشجيع التواصل الاجتماعي الواقعي
    تنظيم لقاءات عائلية، ورحلات جماعية، وأنشطة تفاعلية مع الأصدقاء. التفاعل الإنساني يُعزز المهارات الاجتماعية ويُقلل من الاعتماد على التواصل الرقمي.
  4. تعزيز النوم الصحي
    إبعاد الأجهزة عن غرفة النوم، وفرض “ساعة رقمية صفراء” قبل النوم، يُمنع فيها استخدام أي شاشة.
  5. المراقبة الوالدية الواعية
    مراقبة استخدام الطفل للأجهزة دون تجسس. الحديث معه عن المحتوى الذي يتعرض له، ومناقشة الآثار السلبية للاستخدام المفرط.
  6. طلب المساعدة المتخصصة
    في حال عدم نجاح الأساليب المنزلية، يُنصح بطلب دعم من مختص نفسي أو تربوي. بعض الحالات تتطلب تدخلًا سلوكيًا مهنيًا.
  7. توفير بدائل ترفيهية ملموسة
    تقديم ألعاب خارجية، أنشطة يدوية، أو أدوات تعليمية تفاعلية. المهم أن تكون البدائل ممتعة وتُشبع فضول الطفل.
  8. التعليم الرقمي الصحيح
    تعليم الطفل أن التكنولوجيا أداة وليست ملاذًا. الحديث معه عن الاستخدام الآمن، وتدريبه على التوازن بين العالم الواقعي والافتراضي.
  9. التحفيز والمكافأة
    استخدام أسلوب المكافأة لتعزيز السلوك الإيجابي. مكافأة الطفل عندما يلتزم بالحدود الرقمية، أو يشارك في أنشطة غير إلكترونية.
  10. القدوة الحسنة
    لا يمكن أن يُطلب من الطفل تقليل استخدام الأجهزة بينما الوالدين غارقون في الشاشات. يجب أن يكون الوالدان قدوة في السلوك الرقمي، ومشاركة الطفل لحظات خالية من التكنولوجيا.

دور المدرسة والمجتمع


المدرسة ليست مجرد مكان للتعلم، بل بيئة تربوية تُسهم في تشكيل وعي الطفل الرقمي. من خلال ورش التوعية، الأنشطة الجماعية، والتوجيه النفسي، يمكن للمدرسة أن تلعب دورًا محوريًا في الحد من الإدمان الإلكتروني.
كما أن للمجتمع المدني دورًا في إطلاق حملات تثقيفية، وتوفير مساحات آمنة للأنشطة غير الرقمية.

في الختام


الإدمان الإلكتروني ليس مرضًا عضويًا، بل خلل في التوازن التربوي. والتكنولوجيا ليست العدو، بل طريقة استخدامها هي ما يصنع الفرق.
الطفل لا يحتاج إلى منع، بل إلى مرافقة. لا إلى صراخ، بل إلى حوار. ولا إلى شاشة، بل إلى حضن دافئ يعلّمه كيف يعيش في عالم رقمي دون أن يفقد إنسانيته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى