أهم الاخباررأي وتحليل

قانون الأحوال الشخصية بين التطبيق والتنفيذ

بقلم: مراد عبد السلام المحامي بالنقض

يُعدّ قانون الأحوال الشخصية من أهم القوانين التي تمس حياة الإنسان اليومية، فهو ينظم أدق العلاقات الإنسانية، من زواج وطلاق ونفقة وحضانة ورؤية وميراث.

إلا أن الفجوة بين نصوص هذا القانون وبين تطبيقه العملي تثير تساؤلات حول مدى قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية التي وُضع من أجلها.

فعلى الورق، نجد أن القانون واضح في تحديد الحقوق والواجبات، ويهدف إلى حماية الأسرة باعتبارها نواة المجتمع. لكنه في الواقع يصطدم بعقبات أثناء التنفيذ، سواء في بطء الإجراءات، أو في غياب الوعي القانوني لدى الأطراف، أو في صعوبة تنفيذ الأحكام، خاصة تلك المتعلقة بالنفقة أو الرؤية.

فعلى سبيل المثال، نجد بعض الأزواج يتعمدون المماطلة في دفع النفقة رغم صدور حكم قضائي واضح، فيتنقل الطفل بين احتياجٍ وحرمان، وتضطر الأم إلى طرق أبواب التنفيذ مرارًا لتحصيل حق بسيط كان يجب أن يُدفع طوعًا لا قهرًا. وهناك من يُخفي دخله الحقيقي أو يُغير محل إقامته للتهرب من التنفيذ، لتتحول النفقة من وسيلة حماية إلى معركة استنزاف.

وفي المقابل، نجد بعض الزوجات يتعمدن منع الزوج من رؤية أطفاله رغم أن القانون نظم الرؤية حفاظًا على صلة الرحم بين الأب وأولاده. فكم من أبّ يقف أمام دار الرؤية ينتظر ساعات دون أن يُسمح له برؤية أولاده، وكم من طفل حُرم من أحد والديه بسبب خلافات الكبار. وهكذا تتحول أحكام الرؤية من وسيلة تواصل إلى أداة انتقام.

إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في نصوص القانون بقدر ما تكمن في سلوكيات التطبيق وتنفيذ الأحكام. فالقانون لا يُنصف ما لم يُنفذ بعدالة وسرعة، ولا يُصلح ما لم تُراع فيه الرحمة والضمير الإنساني.

إن الإصلاح الحقيقي لقانون الأحوال الشخصية لا يكون فقط بتعديل مواده، بل بتطوير آليات التنفيذ، ووضع عقوبات رادعة لمن يسيء استخدام الحق أو يتعمد تعطيل الأحكام. فحين يكون القانون مدعومًا بضميرٍ وعدالةٍ في التطبيق، تتحقق الغاية التي وُجد من أجلها: حفظ الأسرة وصون الكرامة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى