أهم الاخبارفن ومنوعات

“المصيلحي والحلو وخليفة”.. كيف أعادت وزيرة التضامن سيرة من صنعوا الأمل ثم غابوا؟

المنصة 360 ووكالات

شهدت وزارة التضامن الاجتماعي خلال أسبوع مضى لحظات إنسانية استثنائية، بدت فيها كأنها تعود إلى دفاتر أشخاص صنعوا الطريق قبل أن يغيبوا عنه، أسماء رحلت، لكن أعمالها ظلت جزءًا من البنية العميقة للوزارة.

في ثلاثة مواقف متتابعة، بدأ أن الوزارة لا تستعيد الذكريات، بل تستعيد الإرث… إرث من وضعوا الأساس، وتركوا أثرًا لا يمحوه الغياب.

التضامن تراجع أداء الرائدات وتطلق خطة لتطوير العمل الميداني

شرم الشيخ تستعد لافتتاح القرية التراثية بلمسة سيناوية أصيلة

أولًا: غياب مؤسس الحلم… موسم حج بلا الدكتور علي المصيلحي لأول مرة منذ 2007

لم يكن صباح إجراء القرعة الإلكترونية لحج الجمعيات الأهلية مجرد إعلان للأسماء المختارة، بل مشهدًا يحمل خلفه غيابًا لا يمكن تجاهله… غياب الدكتور علي المصيلحي، وزير التضامن الاجتماعي الأسبق ومؤسس المؤسسة القومية لتيسير الحج عام 2007.

وبين الإعلاميين وقيادات المؤسسة، وقفت الوزيرة مايا مرسي تطلب قراءة الفاتحة على روحه، في لحظة صمت تسربت إلى الحوائط وكأن المكان كله يستعيد بدايات منظومة بدأت بفكرة، وتحولت اليوم إلى خدمة تنظم رحلة آلاف المصريين إلى بيت الله الحرام.

سنوات من العمل المشترك… ومشهد لم يُخفِ ما في القلب

لم يكن تأثر الدكتورة مايا مرسي مجرد عبارة تقال في مناسبة رسمية، بل كان انعكاسًا حقيقيًا لسنوات طويلة جمعتها بالدكتور علي المصيلحي في ملفات شكلت ملامح سياسة الحماية الاجتماعية في مصر. فقد عملا معًا في بناء برنامج “تكافل وكرامة” منذ لحظاته الأولى، وتشاركا في تنفيذ المشروع داخل منطقة عين الصيرة، كما جمعتهما جهود دعم تعليم الفتيات خلال فترات عمله كوزير للتضامن الاجتماعي الأسبق.. هذه المسيرة المهنية المتراكمة ظهرت بوضوح في طريقة نطقها لاسمه داخل القاعة؛ فبين نبرة صوتها الهادئة وتماسكها الذي لم يُخفِ ما تشعر به، بدا أن ذكراه تلامس لديها جانبًا شخصيًا ومهنيًا لا يمكن فصله عن تاريخ العمل المشترك بينهما، لذلك لم يكن الحضور بحاجة إلى مزيد من الشرح؛ إذ انعكس صدق اللحظة في الصمت الذي ساد القاعة بعد طلبها قراءة الفاتحة.

من فكرة فردية إلى منظومة مستقرة

رأى المصيلحي منذ 2007 أن خدمة الحجيج تحتاج إلى نظام مؤسسي عادل وشفاف، فأطلق فكرة تأسيس مؤسسة متخصصة تتولى تنظيم حج الجمعيات الأهلية.

ومع الوقت، تحولت الفكرة إلى منظومة قوية تعمل اليوم بقرعة إلكترونية، ومستويات خدمة منظمة، وتنسيق مؤسسي شامل، كل ذلك قائم على بنية وضعها رجل لم يعد بيننا، لكن أثره ما زال حاضرًا.

ثانيًا: “عبير الحلو”.. حكاية مهندسة أعادت الوزيرة إحياء إرث مشروع بدأته قبل رحيلها

“رحل الجسد وبقي الأثر” كان الوصف الأقرب لحضور المهندسة الراحلة عبير الحلو داخل الوزارة، حين أعادت الوزيرة اسمها إلى الواجهة هذا الأسبوع وهي تعلن استكمال منظومة تسجيل أبناء مؤسسات الرعاية، المشروع الذي صممت الحلو نواته الأولى عام 2020.

عملت الراحلة على بناء قاعدة بيانات تضم 7869 طفلًا داخل 465 مؤسسة رعاية، ووضع إطار رقمي دقيق يُسهِل المتابعة ويحسن جودة الخدمات.. ورغم رحيلها قبل اكتمال الحلم، عادت الوزارة اليوم لتستكمل ما بدأته، وتمنح مشروعها حياة جديدة.

كما أسهمت “عبير الحلو” في رقمنة خدمات المؤسسة القومية لتيسير الحج، وشاركت في البعثة الرسمية للحج عدة أعوام، وظلت نموذجًا للموظفة التي تعمل من أجل الناس لا من أجل الظهور.

ثالثًا: إحياء مسابقة الأستاذ الدكتور أحمد خليفة… ذاكرة معرفية تعود للحياة

وفي خطوة تكمل صورة “الأثر الباقي”، أعلنت الدكتورة مايا مرسي، إعادة إحياء مسابقة الأستاذ الدكتور أحمد خليفة، لتُنظم سنويًا للطلاب وشباب الباحثين.

من هو أحمد خليفة؟

لم يكن الدكتور أحمد خليفة مجرد اسم أكاديمي، بل كان مؤسس المركز ومديره الأسبق، ورائدًا من رواد العلوم الاجتماعية في مصر والعالم العربي.

شغل سابقًا منصب مدير المركز الإقليمي العربي للبحوث والتوثيق في العلوم الاجتماعية بالقاهرة، وكان أستاذًا زائرًا في جامعات مصر والعراق والولايات المتحدة، كما عمل في النيابة العامة ومجلس الدولة قبل أن يتولى وزارة الشئون الاجتماعية والأوقاف.

وعلى المستوى الدولي، كان عضوًا في لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التفرقة العنصرية وحماية الأقليات منذ عام 1969، وممثلًا لمصر في لجنة الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية منذ عام 1966، ليصبح أحد أبرز الأصوات العلمية المصرية في المحافل الأممية.

إحياء المسابقة باسمه ليس مجرد عودة لتقليد بحثي، بل استعادة لروح عالمٍ آمن بقيمة المعرفة، وبأن المجتمع لا يتقدم إلا بالفكر والعلم والتحليل الرصين.

ويبقى الأثر

وربما كان هذا الأسبوع تذكيرًا هادئًا بأن الموت لا يملك سوى أن يواري الثرى أجساد أصحاب العطاء، لكنه يعجز عن دفن ما خلفوه من نورٍ ومسار، فهنا رجل وضع أساس منظومة الحج، وهنا مهندسة زرعت بذرة مشروع للرعاية، وهناك عالم فتح الطريق أمام البحث الاجتماعي الرصين.. وتبقى الأفكار التي وُلدت بإخلاص، والمشروعات التي وُجهت لخدمة الناس، والقلوب التي عملت بصدق؛ تتحرك وتكتمل وتمتد، حتى بعد أن يغيب أصحابها.

وهؤلاء الذين مروا من هنا – علي المصيلحي، وعبير الحلو، وأحمد خليفة – لم يغادروا المشهد حقًا، بل تركوا أثرًا يتقدم أمامنا، يذكرنا دائمًا بأن ما ينجز بصدق يبقى، وما يُبنى بروح مخلصة لا يختفي، وأن الطريق لا يستمر بمن يمشيه اليوم، بل بمن رسم ملامحه الأولى منذ البدايات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى