السودان يئن.. الناجون من العنف يكتوون بنيران الفقر على حدود تشاد

في مخيم عبور على الحدود التشادية السودانية، توزع نجوى عيسى آدم (32 عاما) أطباق المعكرونة واللحم على الأطفال السودانيين الأيتام القادمين من مدينة الفاشر التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع شبه العسكرية في الآونة الأخيرة بشكل عنيف بعد حملة ضروس.
ونجوى نفسها لاجئة من المدينة ووصلت في أكتوبر تشرين الأول. وتقول إنها تعرضت في رحلة فرارها للاحتجاز تحت تهديد السلاح من قبل أربعة من مقاتلي قوات الدعم السريع الذين اغتصبوها مرارا، إلى أن سمع شخص صرخاتها وساعدها على الهرب.
وتقوم حاليا بشراء الطعام وإعداده للعائلات اللاجئة الواصلة حديثا باستخدام الأموال التي يتبرع بها لاجئون آخرون يعيشون في بلدة الطينة الحدودية.
لا طعام
وتقول “لا يملك الناس هنا أي طعام… والدعم الوحيد الذي نحصل عليه هو من سكان الطينة”.
ولا تجد العائلات اللاجئة التي تصل إلى هذه البلدة الحدودية سوى القليل من المساعدات الإنسانية الدولية. وبالنسبة للكثيرين، يأتي المصدر الوحيد للغذاء من تبرعات اللاجئين الآخرين الذي وصل بعضهم إلى هناك في الآونة الأخيرة والبعض الآخر منذ سنوات عديدة خلال صراع سابق في السودان.
وتعمل بضعة منظمات غير حكومية في البلدة، من بينها منظمة أطباء بلا حدود التي تشغل عيادة متنقلة على الحدود وقسما صغيرا للمرضى الخارجيين يفتح ثلاثة أيام في الأسبوع بالمخيم. وقال جوش سيم الذي يعمل ممرض طوارئ بالمنظمة إن واحدا تقريبا من كل أربعة أطفال فحصتهم المنظمة في المخيم يعاني من سوء تغذية، وهو وضع يزداد سوءا مع وصول المزيد من العائلات الفارة من الفاشر.
توزيع المعنوات بشكل محدود
واستأنف برنامج الأغذية العالمي يوم السبت توزيع الأغذية بشكل محدود على الأمهات الحوامل والمرضعات والأطفال دون سن الثانية لمنع سوء التغذية. ووفقا لمتحدث باسم البرنامج التابع للأمم المتحدة فقد حول البرنامج معظم الموارد إلى مخيمات أخرى بعيدة عن الحدود في مسعى لتشجيع اللاجئين على الانتقال إلى مناطق أكثر أمنا.
وقالت نوال أبو بكر عبد الوهاب (49 عاما) والتي كانت تعمل معلمة في الفاشر وفرت الشهر الماضي أثناء الهجوم “ما في علاج ما في دوا ما في أي حاجة تانية… طلعنا بجلباب وتوب بس… بدون نعال بدون بطانية… ما عندنا أي حاجة”.
أزمة اللاجئين
وذكر متحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن المفوضية ليس لديها إلا 38 بالمئة من إجمالي 246 مليون دولار تشير تقديراتها إلى أنها تحتاج إليها للتعامل مع أزمة اللاجئين السودانيين في تشاد.
وأوضح المتحدث أن تخفيضات الولايات المتحدة للمساعدات الخارجية هي السبب الرئيسي وراء فجوة التمويل. وشكلت المساهمات الأمريكية التي بلغت 68.4 مليون دولار في عام 2024 ما يعادل 32 بالمئة من إجمالي ميزانية المفوضية. أما هذا العام، فقد انخفضت المساهمات الأمريكية إلى 35.6 مليون دولار بما يعادل نحو 10 بالمئة من إجمالي الميزانية والتي ارتفعت مع تزايد الاحتياجات الإنسانية. ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية ولا بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة على طلبات التعليق.
وعادة لا تستقبل مخيمات العبور، مثل المخيم الموجود في الطينة، اللاجئين إلا لفترة وجيزة، وتجري عمليات نقل منتظمة إلى مخيمات أكثر أمانا في الداخل. وأوضح متحدث باسم مفوضية اللاجئين أن محدودية التمويل اللازم لتوفير ما يكفي من المياه والصرف الصحي والمأوى في تلك المخيمات الداخلية أدى إلى تباطؤ جهود النقل.
ولا توفر منظمات الإغاثة أي مأوى دائم ولا حتى الخيام للوافدين الجدد بالمخيم. وبدلا من ذلك، يوزع الموظفون مفارش بلاستيكية، فيما وصفه ماجات جيس ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تشاد بأنه “مجرد شيء لحجب الشمس حتى يحظوا بالقليل من الحماية”.
ووصل إبراهيم محمد إسحق (35 عاما) إلى المعبر في 22 نوفمبر تشرين الثاني مع زوجته وابنتيهما (ثلاثة وخمسة أعوام). وكانوا يعيشون في مخيم أبو شوك على الجانب الشمالي من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وسقطت الفاشر في أيدي قوات الدعم السريع في أواخر أكتوبر تشرين الأول بعد أعمال عنف دامت 18 شهرا، مما شكل نقطة تحول في الحرب المستمرة منذ عامين ونصف العام بين القوات شبه العسكرية والجيش السوداني.
المنظمة الدولية للهجرة
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، يعتقد أن أكثر من 100 ألف شخص فروا من المدينة. ووصل ما يقدر بنحو 9500 شخص إلى تشاد. وتفيد تقديرات المنظمة بأن حوالي 180 شخصا يعبرون الحدود إلى طينة يوميا.
وفر إسحق وأفراد آخرون من عائلته من الفاشر على ظهور الحمير في اليوم السابق لاجتياح قوات الدعم السريع للمدينة. وقال إن مسلحي قوات الدعم السريع طاردوهم وآخرين في الطريق، وشاهد أكثر من أربعة من أقاربه يُقتلون بالرصاص.
وقال إسحق “ربنا سلم وخرجنا في سلامة”.
وبعد عبور الحدود، توقفت الأسرة عند عيادة متنقلة حيث قدمت ممرضة من منظمة أطباء بلا حدود الدواء للطفلة ذات الثلاث سنوات. ثم توجهت الأسرة إلى نقطة تفتيش تابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حيث سلّم ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر إسحق وأسرته كيسا يحتوي على إبريق ماء فارغ وإبريق شاي بلاستيكي وقطعتين من الصابون ودلوين بلاستيكيين وقماش مشمع.
ثم نُقلت الأسرة إلى نقطة عبور تبعد حوالي ستة كيلومترات عن الحدود، حيث انضمت إلى ما يتراوح بين 1400 و1600 لاجئ ينتظرون نقلهم إلى مخيمات أخرى في مناطق داخلية أبعد.
وروى العشرات لرويترز قصصا مماثلة عن مواجهات عنيفة في أثناء فرارهم من السودان وكفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة منذ ذلك الحين.
وأظهرت عزيزة مصطفى (62 عاما)، صورة بالأشعة السينية لرصاصة استقرت في جانبها. وقالت إنها تحتاج إلى 500 مليون جنيه سوداني (حوالي 1500 دولار) لإجراء عملية جراحية.
أما نورا محمد يحيى (38 عاما) الحامل في شهرها التاسع وتعيش مع أطفالها تحت شجرة خارج مجمع معسكر العبور، فقد فرت قبل ثلاثة أشهر من شمال دارفور وعبرت إلى طينة في أوائل نوفمبر تشرين الثاني بسبب هجمات بالطائرات المسيرة.
وقالت إنها لم تضع خططا للوقت الذي سيحين فيه وضع حملها. وتساءلت حول ما يمكنها أن تفعل مع عدم امتلاكها أي طعام أو ملابس.



