تاريخ مصر مصهورا في أفران الصاغة!

بقلم: محمد حسن حمادة
سرقة السوار الذهبي الفرعوني الملكي النادر الذي صمد ثلاثة آلاف عام ويعود لعصر الدولة الوسطى والملك (آمون إم أوبت) وتبخر بالإنصهار من خزينة حديدية بمعمل الترميم بالمتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة، فضيحة عالمية تؤثر على سمعة مصر السياحية ويُظهر عجزها في حماية تراثها الفريد، وخاصة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير، الحدث السياحي التاريخي الأبرز الذي يترقبه العالم.
السوار يعد من أثمن مقتنيات المتحف بعد نقل مجموعة (توت عنخ آمون) ويجذب ملايين الزوار سنويا إلى المتحف المصري.
السوار ليس مجرد قطعة ذهبية، بل تاريخ أمة وذاكرة للبشرية فهو يحمل قيمة حضارية وثقافية وفنية تمثل هوية مصر وجذورها ويعكس براعة ومهارة الصائغ المصري القديم في صناعة الذهب والمجوهرات.
كيف خرج السوار المصنوع من الذهب الخالص والمطعم بالأحجار الكريمة، من قلب أهم متحف في مصر لأفران الصاغة؟. مما يجرنا لتساؤلات عديدة أولها: إذا كان هذا حال تأمين المقتنيات الأثرية في الداخل ماذا عن مقتنياتنا المصرية التي تجوب المعارض الخارجية؟.
ثانيها: لابد أن نعترف أن لدينا مشكلة كبرى في الوعي فعندما يسرق أهل البيت بيتهم وهم من المفترض أكثر من يقدرون الأثر فما بالنا بعامة الناس؟.
ثالثها: إذا كان هذا يحدث في متحف في قلب العاصمة فما بالنا بالمتاحف والمخازن النائية؟.
سرقة السوار قبل افتتاح المتحف المصري الكبير ناقوس إنذار خطير يحتم علينا مراجعة الوسائل التأمينية القديمة التي عفا عليها الزمن واستبدالها بمنظومة أمنية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، بما يتناسب مع القيمة التاريخية للمقتنيات، كالكاميرات الذكية عالية الدقة، واستخدام أنظمة إنذار متصلة مباشرة بالجهات الأمنية، واعتماد تكنولوجيا التعقب الرقمي (RFID) لتأمين كل قطعة أثرية.
اتمنى أن لا يتم اختزال الحادث في إخصائية الترميم بالمتحف فالقضية أعقد من ذلك فهي قضية أمن قومي في المقام الأول فنحن أمام قضية فساد متكاملة الأركان تشي بقصور أمني وإداري وإهمال حكومي جسيم يستدعي إصلاح مؤسسي شامل ينتهي بمحاسبة أي مسئول يثبت تورطه أو تقاعسه عن أداء واجبه وإلا سنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة وتصاب مصر بفقد إرثها الحضاري الممتد لآلاف السنين قطعة وراء قطعة.



