
بقلم: حسني بحالو – عضو مجلس الشعب السابق
يظل قطاع الزراعة في مصر واحدًا من الأعمدة الاستراتيجية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني، ليس فقط لأنه يوفر الغذاء للمواطنين، بل لأنه أيضًا يمثل مصدرًا رئيسيًا لتشغيل ملايين الأيدي العاملة، ويؤثر بشكل مباشر على الصناعات التحويلية، والتصدير، وتحقيق الأمن القومي الغذائي.
لقد أدرك المصري القديم منذ آلاف السنين قيمة الزراعة، فارتبط نهر النيل بحياة المصريين ومعيشتهم، وظلت الزراعة الركيزة الأولى التي قامت عليها الحضارة المصرية.
كلمة أخيرة لوجه الله ثم مصر
واليوم، ونحن نعيش في عصر التحديات الاقتصادية العالمية، نجد أن الزراعة المصرية لم تعد مجرد نشاط تقليدي، بل أصبحت مسألة بقاء وتنمية واستقلال اقتصادي.
الزراعة ودعم الاقتصاد المصري
لا يمكن لأي دولة أن تحقق نهضة اقتصادية متكاملة دون قطاع زراعي قوي. فمصر تستورد سنويًا كميات ضخمة من القمح والزيوت والبقوليات، وهو ما يمثل ضغطًا على ميزان المدفوعات.
وإذا استطعنا التوسع في الزراعة التعاقدية، واستصلاح مساحات جديدة في الدلتا الجديدة وسيناء والصعيد، فإننا سنقلل فاتورة الاستيراد ونوفر ملايين الدولارات من العملة الصعبة.
كما أن الزراعة ليست فقط إنتاجًا للمحاصيل، بل هي صناعة متكاملة تمتد إلى الصناعات الغذائية والتعبئة والتصدير، وهي مجالات قادرة على تحقيق قيمة مضافة ضخمة للاقتصاد المصري.
التجارب الدولية الملهمة
بخبرتي واطلاعي الدائم فإن هناك تجارب عالمية يجب أن تكون أمام أعين صناع القرار في مصر:
التجربة الهولندية: رغم صغر مساحة هولندا، فإنها أصبحت ثاني أكبر مُصدر للمنتجات الزراعية في العالم بفضل الاعتماد على التكنولوجيا الزراعية والابتكار في البيوت المحمية والزراعة الدقيقة.
من أجل اصطفاف وطني يضمن مستقبل الأجيال
التجربة المغربية: نجحت المغرب في تعزيز صادراتها الزراعية إلى أوروبا بفضل تبني سياسة واضحة لدعم المزارعين وتشجيع الاستثمار الأجنبي في القطاع الزراعي.
التجربة الصينية: اعتمدت الصين على التجميع الزراعي والتعاونيات الكبرى لتوحيد الجهود وزيادة الإنتاجية، وهو نموذج قابل للتطبيق في الريف المصري.
الطريق إلى الأمام
إن ما تحتاجه مصر اليوم هو استراتيجية زراعية وطنية شاملة تقوم على:
الاستثمار في البحث العلمي الزراعي لإنتاج أصناف عالية الجودة تتحمل الجفاف والملوحة.
التوسع في الزراعة الذكية باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في متابعة المحاصيل.
تطوير نظم التسويق الزراعي وربط الفلاح مباشرة بالأسواق المحلية والعالمية.
تشجيع الاستثمار الخاص والأجنبي في القطاع الزراعي لخلق شراكات قوية مع الدولة.
خير الكلام ما قل ودل
إن الزراعة في مصر ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي قضية أمن قومي، وركيزة للاستقرار السياسي والاجتماعي. وإذا كانت الصناعة والتكنولوجيا هما مستقبل النمو، فإن الزراعة هي الحاضر والمستقبل معًا. ولا شك أن مصر قادرة – بما لديها من موارد بشرية وأرض خصبة – أن تصبح قوة زراعية إقليمية كبرى، إذا أحسنت إدارة هذا القطاع الحيوي، واستفادت من التجارب الدولية الناجحة.



