صرخة الطبقة المتوسطة.. رسالة إلى الأب القائد رئيس الجمهورية

بقلم: الدكتور عماد زايد
سيدي الرئيس – أكتب إليكم لا بلسان ناقد و لا بلسان معارض بل بلسان ابن يخاطب أباه محبا له واثقا في حكمته و مؤمنا بقدرة قيادته على حماية الوطن و صون مستقبله .
نحن نقف خلفكم في كل قرار تتخذونه لصالح مصر و نعتز بجهود مؤسسات الدولة و أجهزتها الأمنية في صون الأرض و العرض . و من قلب هذا الولاء أرفع إلى مقامكم نداء لا يحتمل التأجيل – أن تحموا الطبقة المتوسطة المثقفة من التآكل و الإنزواء فهي ليست مجرد شريحة اجتماعية بل هي روح مصر العاقلة و ميزانها الرشيد و هي كذلك الظهير الشعبي الحقيقي لسيادتكم التي تقف مع قيادته في الأزمات و المؤمرات التي تحاك ضد الوطن و تشد على يده بالوعي و الإيمان و الثقة .
سيدي الرئيس – هذه الطبقة لم تكن في يوم من الأيام طبقة عابرة أو ثانوية . إنها قلب الأمة النابض بالعقل و الوعي . منها خرج الأطباء الذين ضمدوا جراح المصريين و المهندسون الذين شيدوا عمرانه و المعلمون الذين ربوا أجياله و العلماء الذين رفعوا اسمه في المحافل العالمية و الأدباء و المفكرون الذين كتبوا التاريخ و صاغوا ضمير مصر الجمعي .
فمن رحمها خرج الدكتور / مجدي يعقوب الذي أعطى مصر و العالم قلبا نابضا بالإنسانية و الدكتور / أحمد زويل الذي حصد نوبل بالعلم و الإبداع و منها خرج الأديب العظيم / طه حسين الذي جعل من الكلمة نورا يبدد الظلام و الروائي الألمعي / نجيب محفوظ الذي وضع مصر على خريطة الأدب العالمي – و فيلسوف الادب / العقاد الذي حمل معارك الفكر – والمثقف الكبير / أحمد لطفي السيد الذي رفع راية التنوير للأمة بأكملها . هؤلاء و غيرهم لم يكونوا إلا أبناء الطبقة الوسطى صانعي قوتها الناعمة و ركيزة صورتها أمام العالم .
لكنها اليوم سيدي الرئيس – تواجه تحديات تمس كيانها . المعيشة الضاغطة أنهكت أبناءها و أجبرت كثيرا من شبابها على الهجرة بحثا عن أفق أرحب . التعليم تراجع فاختنق العقل الذي كان يستمد منها الحياة . و ضاق الفضاء العام عن استيعاب أصواتها فغابت الرؤية النقدية التي تحفظ التوازن .
ثم جاء الخطر الأكبر – تهميش رجال هذه الطبقة وشبابها و نسائها من المشاركة السياسية لصالح المال السياسي . فأقصي المثقف و صاحب الكفاءة و حل محله من يملك المال لا الفكر و من يشتري الموقع و لا يستحقه . و هذا التغيير أضعف الروح العامة و أصابها بالإحباط و قد يفقد بعض النفوس التي لا تستطيع التحمل انتماءها بعد أن كانت هي عماد الولاء و درعه الصلب . إن إقصاء هذه الطبقة معناه إقصاء الظهير الشعبي الحقيقي للرئيس و تفريغ القيادة من سندها الأقوى .
سيدي الرئيس – إن غياب هذه الطبقة لا يعني فقط أزمة معيشية بل أزمة وعي و أخلاق . فهي التي كانت تصدر القيم و تغرس الاعتدال و الانضباط و تمنح المجتمع صوته الأخلاقي . و مع انزوائها ضعفت منظومة الأخلاق العامة و ارتفعت الأصوات الاستهلاكية و المظاهر الهزلية على حساب جوهر القيم . و إذا ضاع وعي الطبقة المتوسطة ضاع معها عقل الأمة و تاهت بوصلة وعي المجتمع .
و لعل الأشد خطورة أن هذه الطبقة هي القوة الناعمة لمصر – فهي التي جعلت العالم ينحني احتراما لعلمائها و أدبائها و فنانيها . هي التي حملت صورة الوطن في المحافل الكبرى و أثبتت أن مصر ليست فقط حجارة تبنى أو طرقا تشق – بل عقلا يبدع و روحا تنير . فإذا غابت هذه الطبقة خسر الوطن حضوره الثقافي و تراجعت قوته الناعمة و انكسر جناحه الأجمل أمام الأمم .
سيدي الرئيس – إن الأمل لم يزل قائما فحماية هذه الطبقة ممكنة بإرادة واعية و إجراءات عادلة تبدأ من إصلاح اقتصادي يعيد الكرامة للأجور و دعم حقيقي للتعليم ليعود منبعا للعقل لا مجرد امتحان و فتح المجال العام ليكون المثقف شريكا لا متفرجا و إتاحة المشاركة السياسية لرجال و شباب و نساء هذه الطبقة ليكونوا في قلب المشهد لا خارج أسواره .
سيدي الرئيس – إن مصر تبني اليوم مشروعات عظيمة تراها الأبصار لكن أعظم مشروع على الإطلاق هو بناء الإنسان المصري و الطبقة المتوسطة المثقفة هي حجر الزاوية في هذا البناء . فاحموها كما تحمون حدود الوطن . أعيدوا لها مكانتها كما تعيدون لمصر مجدها . فهي الدرع الذي يحمي الدولة من التصدع و الجسر الذي يعبر به الوطن إلى الغد و الظهير الشعبي الذي يقف خلف قيادتكم ليشد من أزرها في اللحظات الصعبة .
و نداؤنا إليكم يا سيادة الرئيس – نداء ابن إلى أبيه لا تتركوا هذه الطبقة تذوب و لا تسمحوا أن يقصى أبناؤها من المشهد . إنهم جنودكم الصامتون و حصنكم الشعبي و ذراعكم الأخلاقية و الثقافية . إن التاريخ سيكتب أن من صان طبقته المتوسطة قد صان وطنه و من حماها فقد حمى مصر كلها . إنقاذ هذه الطبقة اليوم ليس مطلبا اجتماعيا، بل عهد بين القائد و شعبه و رسالة بقاء للأمة بأسرها .



