رأي وتحليل

الأخلاق بين الواقع والمأمول

بقلم: فضيلة الشيخ أيمن حسين محمد

من علماء الأزهر والأوقاف

في زمنٍ تتسارع فيه التحولات وتضطرب فيه القيم، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة الاعتبار لمنظومة الأخلاق الإسلامية، التي أرادها الله لعباده، وجعلها جوهر الدين وروحه.

إن المتأمل في واقعنا المعاصر، حين يُقارن بينه وبين ما جاءت به نصوص الشريعة من توجيهات أخلاقية، يلحظ بوضوح الفجوة العميقة بين الواقع الذي نعيشه وبين منظومة القيم التي أرادها الإسلام لأتباعه.

بل إن الناظر يرى سرعة التحول عن الأخلاق والأصول والعادات الحسنة التي تربت عليها الأجيال السابقة، إلى سلوكيات دخيلة لا تمت إلى أصالة المجتمع بصلة. وهذا يدفعنا إلى ضرورة إعادة الاعتبار لقضية الأخلاق، وجعلها في صدارة الاهتمام التربوي والدعوي، لما لها من أثر بالغ في صلاح الفرد والمجتمع.

 مكانة الأخلاق في الإسلام

لقد أولى الإسلام الأخلاق مكانة عظيمة، حتى جعلها غاية من غايات البعثة النبوية، فقال النبي ﷺ:

“إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

وفي أعظم شهادة ربانية، يقول الله تعالى مخاطبًا نبيه ﷺ:

“وإنك لعلى خلق عظيم”.

فالأخلاق في الإسلام ليست تابعة لتقلبات المزاج أو اختلاف الأهواء، بل هي منظومة ثابتة، ما كان منها ممدوحًا في الماضي فهو ممدوح في كل زمان، وما كان مذمومًا فهو مذموم في كل عصر.

وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

 فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 مظاهر الانحدار الأخلاقي

ما نشهده اليوم من مظاهر الانحراف السلوكي، لا يقتصر على فئة دون أخرى، بل انتشر بين الكبار والصغار، الذكور والإناث، المتعلمين وغير المتعلمين، في الحضر والريف على حد سواء.

صرنا نُعجب ونُشيد بأفعال كانت في الماضي تُعد من البديهيات، كمن يُسارع لإنقاذ طفل من حريق، أو يقود سيارة محترقة بعيدًا عن السكان، أو يُغيث ملهوفًا في الشارع.

هذه النماذج، رغم جمالها، أصبحت نادرة، لذا صار التعجب منها والفرح بها واضحًا، بعدما كانت جزءًا من نسيج المجتمع.

 مسؤولية جماعية

إن الاهتمام بالأخلاق ليس مسؤولية فردية فحسب، بل هو واجب جماعي، يشترك فيه البيت، والمدرسة، والمسجد، والإعلام، والدولة.

فصلاح المجتمع واستقامته وتقدمه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بصلاح الأخلاق.

وما أحوجنا اليوم إلى أن نتقدم في ميدان الأخلاق، لا إلى الأمام، بل إلى الوراء، حيث القيم التي افتقدناها: الحياء، التراحم، التكافل، حسن الجوار، وإغاثة الملهوف.

وقد قال الشاعر:

 صلاح أمرك للأخلاق مرجعه

 فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

 دعوة للتأمل والعمل

إن ميدان الأخلاق ميدان واسع، يحتاج إلى تضافر الجهود وصدق النوايا، من أجل إنقاذ المجتمع من صور الانحلال والفساد التي ضربته في جميع جوانبه.

وكما قال النبي ﷺ: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”.

ولنا بإذن الله لقاءات متتابعة، نستعرض فيها نماذج من الأخلاق الحسنة التي حث عليها الإسلام، ونرجو أن يكون واقعنا أكثر قربًا منها، وأوفر نصيبًا فيها.

فإلى لقاء قريب، بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى