رأي وتحليل

مدير يُعزل ووزير يُعفى: هل العدالة الإدارية تُطبق على المقاس؟

بقلم – ماجد مصطفى

في صباح مشحون بالتوتر داخل مدرسة ميت حلفا الثانوية المشتركة، دخل معلم جديد لتسليم خطاب تكليفه ضمن عقود الحصة لسد العجز في مادة التاريخ.

لم يكن يتوقع أن يُستقبل بلكمة في الوجه من زميله الأساسي في المادة، الذي اعتدى عليه بالضرب مسببًا له نزيفًا في الأنف. تصرفٌ مدانٌ من الجميع، مهما كانت الأسباب أو الملابسات.

لكن ما زاد الواقعة صدمة، أن رد الفعل الرسمي لم يتوقف عند المعلم المعتدي، بل امتد ليشمل مديرة المدرسة ومدير إدارة قليوب التعليمية، حيث قرر محافظ القليوبية المهندس أيمن عطية استبعادهما من منصبهما، بدعوى الإخلال بالانضباط والإشراف، رغم أن الإجراءات القانونية كانت قد بدأت بالفعل.

وفي تصريح رسمي قال المحافظ:”لن نسمح بحدوث مثل هذه الوقائع داخل مدارس القليوبية أو بأي تجاوزات تعرقل انتظام العملية التعليمية… أي تقصير أو خروج عن مقتضيات الواجب الوظيفي سيواجه بإجراءات قانونية وإدارية حاسمة.”لكن هذا الحسم الإداري لا يبدو متسقًا مع وقائع أخرى أكثر جسامة، لم تُقابل بنفس الحزم.

القناطر الخيرية: اعتداء جسيم بلا مساءلة

في مدرسة عبد المجيد عامر الثانوية المشتركة بقرية شبرا شهاب التابعة لإدارة القناطر الخيرية التعليمية، اعتدى طالب على معلمه داخل فناء المدرسة، ثم حضر ولي أمره واعتدى لفظيًا على مديرة المدرسة. ورغم جسامة الواقعة، اكتفت مديرية التربية والتعليم بتكليف من الوزارة بفصل الطالب وإحالة ولي الأمر للنيابة، دون أي مساءلة إدارية لمدير الإدارة أو مديرة المدرسة، معلنة أن لا مسؤولية تقع عليهما.

المفارقة هنا صارخة : في ميت حلفا، يُعزل مدير ومديرة رغم اتخاذهم الإجراءات، وفي شبرا شهاب، لا يُحاسب أحد رغم وقوع اعتداء مزدوج داخل المدرسة. ويبدو أن هناك تصفية حسابات دفعت ثمنها القيادات التعليمية في قليوب، بصمت غير مبرر من الجهة التي يُفترض أن تدافع عنهم وهى: مديرية التربية والتعليم بالقليوبية.

مطروح: وزير يعترف… ويبقى

في حادث قطار مطروح، الذي أسفر عن ضحايا ومصابين، خرج وزير النقل الفريق كامل الوزير ليعلن تحمّله المسؤولية المعنوية، لكنه أكد أنه لن يترك منصبه. لم يصدر عن الحكومة أي إجراء لمساءلته، ولم تُفتح تحقيقات إدارية أو برلمانية، وكأن الاعتراف بالتقصير لا يستوجب المحاسبة.هنا، لا يُعزل أحد، ولا يُحقق مع أحد، رغم أن الحادث يمس حياة المواطنين بشكل مباشر، ويكشف عن خلل في منظومة السلامة والنقل.

المحافظ نفسه: قرارات بلا مراجعة

المهندس أيمن عطية، الذي اتخذ قرار العزل في واقعة ميت حلفا، شهدت محافظته خلال فترة توليه عدة أزمات خدمية، أبرزها:

تكدس القمامة في شبرا الخيمة رغم تعهدات تحسين المنظومة

تأخر تنفيذ مشروعات “حياة كريمة” في بعض قرى ومراكز المحافظة

شكاوى متكررة من سوء توزيع المعلمين في المدارس الريفية

الاعتداء على الرقعة الزراعية وتقليصها، وغيرها من الأزمات المتكررة

ورغم هذه الأزمات، لم تُطرح فكرة مساءلته أو تقييم أدائه، بينما يُصدر بنفسه قرارات عزل لمسؤولين أدنى منه، في وقائع أقل جسامة.

أزمة المفهوم الإداري: من يُحاسب فعلاً ؟

الوقائع السابقة تطرح سؤالًا جوهريًا: هل تُقاس المسؤولية بالفعل أم بالمنصب؟

فحين يُحاسب مدير تعليم على واقعة لم يكن طرفًا فيها، ويُعفى محافظ أو وزير رغم وقوع تجاوزات داخل نطاق مسؤولياتهم، فإننا أمام منظومة لا تطبق العدالة، بل تُمارس المحاسبة على المقاس.

دعوة لإصلاح المفهوم قبل النظام

العدالة الإدارية لا تتحقق بالإعفاءات الرمزية، ولا بالعزل الانتقائي. ما يحدث داخل قطاع التعليم والنقل والإدارة المحلية يستدعي مراجعة جذرية لآليات اتخاذ القرار، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل حقيقي، لا انتقائي. فالمؤسسات لا تُبنى على الولاء، بل على الإنصاف.

وإذا كانت العدالة تُطبق على من لا يملك القرار، فهل نعيش في دولة تُحاسب من يُنفذ وتُعفي من يُخطط؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى