رأي وتحليل
أخر الأخبار

إن لكل دين خلقا

بقلم: فضيلة الشيخ أيمن حسين محمد

من علماء الأزهر والأوقاف

الحياء: خلق يحمل صاحبه على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، فالحيي يترفع عن كل فعل وقول قد يجلب له اللوم أو العتاب أو نظرة دونية من الناس تقلل من شأنه، والحياء من حياة القلب وبحسب قوة الحياة في القلب يكون الحياء، وكلما مرض القلب كلما ضعف فيه الحياء.

الحياء ضرورة للحياة

جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الحياء خير كله»، «الحياء لا يأتي إلا بخير».

هل تعلم لم الحياء لا يأتي إلا بخير؟

لأنه يمنع من الوقوع في المعاصي والذنوب؛ لأن الذنوب أصل كل شر وبلاء وفساد «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس»، فإن تخلقوا بالحياء قلت ذنوبهم وأوشك الفساد الذي ضرب مفاصل المجتمع أن يختفي.

كم خسر المجتمع بغياب الحياء؟

إن مظاهر انعدام الحياء في المجتمع تكاد أن تكون طاغية، تمس الكبير والصغير والعالم والجاهل والرجال والنساء، حتى لقد ظهرت صور من انعدام الحياء في أوساط من الناس ما كان ينتظر ظهورها منهم ولا بينهم.

قلة الحياء في حفلات التخرج التي تحدث كل عام بين الشباب والفتيات في مشهد غريب على الجامعات المصرية وعلى أوساط المتعلمين والمثقفين الذين ينتظر منهم أن يكونوا حملة لواء الدولة المصرية في تحولاتها السريعة ويتوقع منهم أن يكونوا بناة المستقبل، فنرى في كل عام مشاهد مبتذلة من التبرج والاختلاط والرقص والتمايل الذي لا يتناسب أبدا مع هيبة الجامعة والعلم فضلا عن أن يصدر من صاحب حياء.

مشاهد انعدام الحياء في الأفلام والمسلسلات وبرامج الإعلام التي تتحمل أمانة عظيمة في بناء الوعي المجتمعي، بل هم على ثغر عظيم من أبوب الأمن القومي للدولة وللأسف نراهم معول هدم بدل أن يكونوا أداة بناء ورفع لصرح الأخلاق الحسنة الحميدة التي تتشوف إليها أمتنا ودولتنا المجيدة

وسائل التواصل الاجتماعي

والطامة الكبرى في كمية الإسفاف والانحلال التي امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي مع سهولة رفع أي محتوى بلا قيود ولا ضوابط.

إن صور الانحلال التي ظهرت مؤخرا على وسائل التواصل المختلفة لهي ناقوس خطر يوضح مدى ما وصلنا إليه من قلة الحياء وانعدام التربية مع الرغبة السريعة في الظهور والانتشار وتحقيق المكاسب المادية ولو حساب قيم الدين والمجتمع.

ولهم مثال سابق وأسوة سيئة برجل في زمن قديم أراد أن ينتشر خبره ويذيع صيته ويعرف بين الناس فما كان منه إلا أن حضر موسم الحج وتبول في بئر زمزم، فلما رفع إلى والي مكة سأله: لم فعلت هذا؟ قال حتى يعرفني الناس ويشتهر خبري بينهم ولو بالسب واللعن! فسبحان الله ما أقبحه من مسلك! وأضعفه من عقله! وأسوأه من خلق!

الحياء حق الحياء

قال النبي :«استحيوا من الله حق الحياء، قلنا يا رسول الله: إنا لنستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الاخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»

هذا تصحيح عظيم لمفهوم الحياء وبيان واضح لحقيقته وأنه متصل بكل ما يتعلق بالإنسان لا ينفك عن جارحة من جوارحه ولا مسلك من مسالكه بل هو ملازم له في أمور دينه ودنياه وأخراه فالحياء خير كله.

إن لكل دين خلقًا

ما أعظمه من تشريف لخلق الحياء أن يجعله النبي شعارا لهذا الدين فيقول : «إن لكل دينًا خلقًا وخلق الإسلام الحياء» لو لم يأت في الحياء إلا هذا النص الشريف لكان كافيًا فكيف إذا كان الحال أن نصوص الشريعة تزخر بآيات وأخبار ترغب وتحث وتدعو إلى التخلق بالحياء والتمسك به في كل مجالات الحياة، فالحياة لا تتم للقلب ولا تستقيم للأمة والمجتمع إلا بالحياء.

الرقابة تأتي بخير

نحتاج وبشدة إلى تفعيل لقيمة الحياء وإلى رقابة مستمرة وتقويم دائم للسلوك الأخلاقي وإلى توجيه من الجميع بلا استثناء، رقابة البيت والمدرسة والجامعة والجامع ورجال الأمن وكل جهات الدولة المنوط بها الحفاظ على سلامة المجتمع وأمنه الوطني.

حملات التطهير الأخلاقي واجب جماعي

لا للسكوت على قلة الحياء وانعدام الأخلاق في المجتمع فإن ضرر ذلك يعود على المجتمع بأسره، وكم سعدنا كثيرا بالحملات المتتابعة على المفسدين (المشاهير) على وسائل التواصل الذين طالتهم يد الدولة مؤخرا، ونرجو وننتظر المزيد من حملات التطهير التي تقوم بها أجهزة الدولة المتنوعة بالتعاون مع الأفراد فالكل في سفينة واحدة ولا نجاة لها إلا بالتعاون المثمر والتكاتف والعمل على سلامتها من أمواج الانحلال والفساد.

حفظ الله أمتنا وبلادنا من كل مكروه وسوء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى